طباعة
المجموعة: الكاتب د. كريم شغيدل
الزيارات: 1084

بين مطالب المتظاهرين ومحاولات الحكومة في إحداث تغييرات إصلاحية هناك واقع يفرض نفسه بقوة، وهذا الواقع لا يبرر تأجيل الإصلاحات الضرورية، بل إنه يسوغ الجرأة التي نحتاجها اليوم لمواجهة حالات التردي في الكثير من مفاصل الدولة، قد تصل حدة انفعال المتظاهرين للمطالبة بحل البرلمان أو حل الحكومة القائمة، لكن كلا المطلبين لا يفضيان بالضرورة لتغيير الواقع، مثلما أن الإصلاحات الشكلية لا تفضي للإصلاح الحقيقي المرتجى، فما الذي يمكن عمله بإزاء واقع لا تنفع معه إصلاحات طفيفة ولا يحتمل نسف المرتكزات المشكلة له برمتها، كما لو أنه بيت آيل للسقوط، فإن هدمناه قضينا على ساكنيه الذين يرفضون مغادرته، وإن أصلحنا ما يمكن إصلاحه سيبقى آيلاً للسقوط في أية لحظة.

المطالبة بحل البرلمان ليست واقعية، لأن فيها تبعات عديدة تفقد العملية السياسية شرعيتها، مهما كان مستوى تلك الشرعية، كما أن حل الحكومة أو استبدالها بجرة قلم سيفقد الكتل تمثيلها الذي تعتقد بكونه حقاً مكتسباً لا يمكن التفريط به، وإذا ما دققنا في الأمر بروية فسنجد بأن البرلمان سلطة منتخبة، بصرف النظر عن كل شيء، يفترض أنها تضطلع بدورين(التشريع ومراقبة الأداء الحكومي) بمعنى أنها تنتظر من الحكومة أن تحيل إليها القوانين لتتدارسها وتناقشها وتصوغها وتصوت عليها من جهة، وتحيل ملفات مجهودها الرقابي بحسب الأصول والتخصص أو المساءلة من جهة ثانية، وهذا ما يجعل عملها انسيابياً ومنسجماً مع متطلبات إدارة الدولة، ذلك أن الخلل الحقيقي الذي نعانيه هو أن مجلس النواب الموقر بسبب بعض الآليات غير المقننة، يتيح لأعضائه التخلي عن هذين الدورين ومن ثم التمدد على حساب السلطات الأخرى وهذا ما يفتح الباب واسعاً للفساد.

أما بالنسبة لمجلس الوزراء، فلنترك لكل كتلة أو مكون أن يحتفظ بنصيبه من التمثيل الاعتباري داخل السلطة التنفيذية، فالوزير منصب سياسي أكثر منه تنفيذياً، مهمته الإشراف على الجهاز التنفيذي الذي يفترض أن يكون مهنياً تخصصياً(من وكيل وزارة فما دون).

فإذا ما سلمنا بمبدأ المحاصصة مضطرين، في ما يخص الوزراء، فلنتفق على إخراج الجهاز التنفيذي من ذلك المأزق، لتكن هذه المناصب وظائف عامة تطرح للجمهور، ويتقدم إليها من يجد في نفسه الكفاءة وتشكل لجان تخصصية للمفاضلة بين المرشحين، على وفق معايير الكفاءة والنزاهة والخبرة والتخصص والمهنية، على أن يمنح الفائز بالمنصب مدة ستة أشهر على سبيل التجربة والاختبار قبل التصويت عليه في مجلس النواب، ومن ثم صدور أمر تعيينه لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد بحسب الحاجة وجودة الأداء.

إلى جانب ذلك هناك إجراءات فورية يمكن اتخاذها، كتقليص المناصب نفسها وإلغاء أوامر التجديد للذين استحقوا التقاعد، مع تقديرنا لما قدموه لخدمة الصالح العام، وتفعيل المبادرة الزراعية بإقامة مزارع تعاونية بطريقة الاستثمار أو القطاع المشترك، كذلك خصخصة جميع المصانع المعطلة ودعم المستثمرين لها سواء بالقروض الميسرة أم بدعم المنتوج المحلي بفرض الضرائب والرسوم الكمركية على السلع المستوردة، كما يمكن استحداث صناعات جديدة بتسهيل مهمة استيراد المصانع من قبل المستثمرين، وتفعيل آليات الصناعات المشتركة والامتيازات من الشركات العالمية، والعمل عبر القنوات الدبلوماسية على منع تفشي ظاهرة تهريب النفط الخام، سواء ما تقوم به عصابات داعش، أم بعض المتنفذين، وإجبار الدول والشركات بقرار أممي على منع تداوله أو تسهيل تهريبه، والحديث يطول.. سائلين المولى القدير أن يبارك للعراقيين بعيد الأضحى المبارك ويمن عليهم بالأمن والأمان ودوام عجلة الإصلاح.