طباعة
المجموعة: الشاعر سعد جاسم
الزيارات: 1401

ما أن بدأت حالات الهجرة الكبيرة من العراق وسوريا الى البلدان الاوربية ؛ حتى بدأت تنتابني مجموعة من الهواجس والتساؤلات والمخاوف. وقد تشكّل في داخلي سؤال اعتقده مهماً وجوهريا؛ الا وهو: ماالذي يدعو الدول الاوربيه لفتح حدودها وابوابها لهذه إلاعداد الهائلة من المهاجرين غير الشرعيين؟
ثمّ تواصل سيل الأفكار والاسئلة يتكاثر ويدور في رأسي؛ وكانت تلك الاسئلة كلها تصب في جوهر وعوامل واسباب وجدوى وحقيقة هذه الهجرة. وأستطيع القول أنني وفي الايام الاولى لهذه الهجرة قد دار في راسي السؤال التالي:

هل من الممكن ان تكون انطلاقة هذه الهجرة ناتجة عن احساس هؤلاء البشر المهاجرين؛ ان الدول الاوربية تمتلك وتتمتع بإنسانية حقيقية وعالية ونبيلة؟ وازاء هذا التساول والاعتقاد وهذه التصورات؛ يمكنني القول؛ انني وبحكم معيشيتي انا وكثير من اصدقائي ومعارفي وزملائي لسنوات طويلة في الغرب وخاصة في كندا وبعض الدول الاوربية ؛فقد احسسنا فعلا بمدى انسانية الغربيين كنديين منهم واوربيين واستراليين ايضاً .. ولا ابالغ اذا قلت ان انسانيتهم تفوق التصوّر.. وانا وعند هجرتي الى كندا فوجئت بإنسانية وصدق وطيبة ونبل الكنديين.

وبعد فترة من هذه الهجرة؛ اصبح عندي هاجس آخر وهو: ان الوضع العراقي وكذلك الوضع السوري في حقيقة واقعيها الراهنين هما ليسا وليدي هذه المرحلة وخاصة ان العراق ومنذ ثمانينات القرن الماضي يعيش هو وشعبه في سلسلة من الحروب والحصارات والاحتلالات المستمرة والفاجعة حد الموت اليومي. أما بخصوص سوريا فإن ازمتها قد مضت عليها حوالي اربعة اعوام؛ وهي الآن في قمة حريقها وحربها الطاحنة.

وأريد الاشارة هنا الى مشهد تلفازي كنت قد شاهدته من خلال احدى الفضائيات العربية التي كانت قد نقلت تقريراً اخبارياً عن واحدة من التظاهرات التي قام بها مجموعة من المتظاهرين في ألمانيا؛ وقد طالب هؤلاء المتظاهرون بضرورة استقبال اللاجئين الفارين من الحروب.. وقد شاهدتُ احدى السيدات المتظاهرات الالمانيات وهي تتحدث بكل جرأة وصدق.

وكانت قد قالت نص الكلام التالي: ( دعونا نستقبل هؤلاء الهاربين من الموت.. لأننا نحن السبب في كل ماحدث ويحدث في بلدانهم. ونحن أنفسنا من نصدر ونبيع السلاح لكل الأطراف المتنازعة في تلك البلدان؛ حتى يقتل أحدهم الآخر. 

(وأرى ان ماقالته هذه السيدة المتظاهرة هو شهادة نبيلة وصادقة.. وكذلك فان تصريحها الشجاع هو رسالة واضحة وصريحة موجهة الى حكام الغرب والعرب ايضاً بانهم هم سبب كل هذا الخراب الانساني الرهيب. ويمكنني ان اضيف: ان أوربا كان بإمكانها فتح باب اللجوء بصوره شرعيه ومنظمة عن طريق منظمه الأمم المتحدة الـ UN) وهي – وكما هو معروف لدى الجميع – هي المنظمة الاولى المسؤولة عن عمليه قبول اللاجئين السياسيين والانسانيين من مختلف دول العالم المنكوبة والمتضررة بسبب الحروب والدكتاتوريات والكوارث والحصارات.. الخ..

وإذا اردنا قول الحقيقة فان امريكا وكندا وأستراليا هي من اكثر الدول التي عملت واستمرت وعلى مدى سنوات طويلة في فتح أبواب اللجوء الرسمي والشرعي عن طريق الـ UN وهذا الامر يدعونا للقول انه كان بأمكان الدول الاوربية أن تفتح باب اللجوء عن طريق هذه المنظمه لتسهيل عمليه اللجوء وجعلها أكثر نظاماً وشرعية.. ولا يُخفى ان منظمة الـ UN قد اصبحت الآن لاتقبل الا اللاجئين الموجودين حقاً بالمناطق الساخنة التي يدور فيها القتال الفعلي الذي يدور مثل المدن السوريه المنكوبة بإستثناء دمشق والمحافظات القريبة منها التي ليس فيها معارك فعلية. اما في العراق فيشمل القرار المحافظات الغربيه والشماليةالمسيطر عليها من قبل داعش.

أما عن بغداد ومحافظات وسط وجنوب العراق فلا تقبل المنظمة الا الانسان المهدد فعليا ويمتلك اثباتات ودلائل تثبت بأنه مهدد بالقتل او بالاختطاف القسري. وأشير ايضاً: الى ان التساؤلات تبقى قائمة عن ماهية واسباب هذه الهجرة الجماعية المثيرة للجدل والاختلاف.

وأرى: ان الدول الاوربية من المستحيل ان تقبل وتبقي كل هذه الاعداد الكبيرة من الحالمين باللجوء.. وقد سمعت من مصادر موثوقة ان السلطات في هذه الدول قد بدأت ببحث القضايا المقدمه من قِبل هؤلاء اللاجئين لمعرفة الأسباب الحقيقية لهجرتهم الى دولها الاوروبية بالذات؟

وقد اشترطت هذه السلطات على كل انسان طالب للجوء ان تكون عنده قضية حقيقية دعته للهجرة وطلب اللجوء. وحسب علمي فإنه سيتم تقرير مصير اي الانسان وفق شروط وضوابط صارمة؛ وعلى ضوء مايملكه من وثائق وحقائق منطقية ومقنعة سيتقرر قبوله كلاجئ او اعادته الى بلده؛ حيث الحروب والموت المجاني والمصير المجهول.

وقضية الهجره غير الشرعية الواسعة هذه كانت قد بدأت في العام الماضي. وقد واجه هؤلاء البشر الهاربون والطالبون للجوء معاناة ومتاعب وصعوبات لاتعد ولاتحصى من اجل ان يصلوا الى الدول الاوربية التي يحلمون باللجوء لها والعيش فيها.

حيث انهم تعرضو لشتى انواع النصب والاحتيال من قبل سماسرة التهريب . وإضطروا للانتظار اشهر طويله وانفقوا أموالا ليست بالقليلة؛ لعلَّ وعسى ان يصلوا الى فردوس الحلم والوهم الاوربي . ويشار الى ان الهجره قد تزايدت بقوة خلال هذا العام منذ بدايات الشهر الخامس (ماي – ايار ) وقد تزايدت خلال الشهرين الاخيرين.

حيث بلغ عدد المهاجرين بحدود (400) الف عراقي كانوا قد هاجروا من بلدهم.. وقد كان (70% ) منهم هم من الشباب والشابات الذين عانوا ماعانوه في بلدانهم التي يعيشون فيها بمصائر مجهولة..

وقد تمكن هؤلاء الشباب والشابات بقوة اصرارهم وارادتهم وعنادهم من تحمّل اقسى حالات الخطر والتعب والخوف من اجل الوصول الى البلدان والدول الاوربية التي يعتقدون حالمين وربما واهمين انها ستحتضنهم وتساعدهم على العيش في حياة حرة وكريمة وترفل بالامن والسلام.

ومما لاشك فيه؛ إن الدول المستقبله لهؤلاء اللاجئين سوف تنظر بكل القضايا المقدمه لها.. ولكن مسألة قبولهم او عدمها تحتاج الى زمن ليس بالقصير ؛ بسبب كثرة الاعداد وزخمها الهائل .

ومما يدعو للخشية والقلق والريبة فإن هناك اعتقاد كبير ان الكثير من هؤلاء اللاجئين سيوف لن يتم قبول لجوئهم وخاصة القادمون منهم من المدن والمحافظات الي تعتبر هادئة نسبياً.

وإذا حدث بالفعل ان السلطات الاوربية لم تقتنع بقضايا هؤلاء اللاجئين؛ فانها من المؤكد ستقوم باعادتهم الى بلدانهم؛ ولذا اعتقد ان الامر سيكون كارثياً وله نتائجه النفسية والمالية والاجتماعية القاسية على هؤلاء اللاجئين الذين كانوا يحلمون بفراديس اوربا.. ولكنها ربّما سترمي بهم الى المجهول .

لا عجب انها اوربا ... وماأدراك ما اوربا.